القائمة الرئيسية

الصفحات

من كتاب خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة - 2

 

الفصل الثاني: المنطق الارسطوطاليسي

المنطق هو علم القوانين التي تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير. ويسمى بالميزان على اعتبار أنه كالميزان تقاس به الأفكار ويميز به الصواب من الخطأ.

منطق ارسطو يدور حول ما يسمى بالقياس الذي يتسلسل تسلسلاً تدريجياً من المعلوم إلى المجهول، أو من المقدمات إلى النتائج. لكن مشكلة منطق ارسطو إنه لا يمثل الواقع.

أما منطق السوفسطائي هو الذي ينظر إلى أن الحقيقة نسبية وغير مطلقة وإن مقياس الحقيقة هو الإنسان بمصلحة ورغبته وشهواته.

انتصر منطق ارسطو على المنطق السوفسطائي بين علماء الإغريق الذين ينتمون إلى الطبقة الإرستقراطية، الذين لم يعانو من مشاكل الحياة لوجود العبيد الذين يهيئوا لهم جميع احتياجات هم، فغالوا في سموهم وابتعدوا عن واقع عامة الناس.

أما منطق العمال والعبيد فهو أقرب إلى منطق السوفسطائي.

وقد سار الفلاسفة المسلمين على منطق ارسطو، وذلك بسبب الجو الفكري الذي كانوا يعيشون فيه، لأنهم كانوا يكتبون للأمراء والسلاطين ويرجعون منهم الجوائز.

إلا أن إبن خلدون ثار على هذا المنطق فهدمه وبنى مكانه منطق جديد يستند إلى الواقع الإجتماعي المتغير.

يوصف منطق ارسطو أحياناً بالمنطق الفوتوغرافي لانه يأخذ صورة ثابتة مطلقة للأمور ويعتبرها نهائية. بينما المنطق الجديد هو منطق سينمائي لأن الحياة في حركة متواصلة لا يمكن أن ندركها بصورة ثابتة.

إن المنطق القديم هو منطق العقائد الموروثة لا منطق المعرفة النظامية فهو يصلح للدفاع والهجوم ولا يصلح لاكتشاف الحقائق الجديدة، أو التثبت من العقائد القديمة.

وضع المناطقة القدماء ثلاث قوانين سموها قوانين الفكر وهي:

١. قانون الذاتية (الشيء هو هو) ويعرف بقانون الحقيقة الثابتة- وتفيد أن الثبات أو السكون هو الأصل الكون، وأن الحركة والصيرورة عرض لا أهمية له فيه.

٢. قانون عدم التناقض وخلاصته أن الشيء إما أن يكون حقاً أو يكون باطلاً ولا يجوز أن يكون حقاً وباطلاً في نفس الوقت وهذا معناه إن الحقيقة مطلقة لا نسبية.

٣. قانون الوسط المرفوع ويقصد به أن العالم مؤلف من جانبين لا ثالث لهما، جانب الحق وجانب الباطل فإذا خرج من جانب دخل حالاً إلى الجانب الاخر فلا توجد منطقة بين بين.

لكن قوانين الفكر هذه لا تنطبق على الواقع الذي يعيش فيه العلماء مما أدي إلى ابتلائهم بداء ازدواجية الشخصية. فتراهم في المخاطبات والتفكير يتبعون منطق ارسطو وعندما يطلبون الرزق والدخول في معترك الحياة ينهالون من قوانين الحياة.

إن المبتلي بمنطق ارسطو يؤذي نفسه ويعرقل سبيل نجاحه من نواح ثلاث هي:

١. يكون قليل الأصدقاء كثير الأعداء لانه يميل الي الجدل وضيق النظر. 

٢. إنه يتصور الناس كلهم منطقيين في اعمالهم وأنهم يسيرون على ما يقتضيه القياس الارسطوطالسي. وهم ليس كذلك مما يدفعه إلى الغضب والصراخ.

٣. يحول بين الفرد وبين استثمار لقواه الخارقة فيقوده إلى الفشل.

إن القوى النفسية تنبثق من أعماق اللاشعور انبثاقاً آنياً مباغتاً، فهي لا تحتاج إلى مقدمات فكرية او قياسات منطقية. أي أنها تحتاج إلى خمول أو ذهول لا تكدره أية خلجة فكرية واعية.

والمبتلي بالتفكير المنطقي لا يقوم بعمل إلا بعد تفكير نظامي دقيق. وهوحين ينشغل بهذا تفوته كثير من فوائد الإلهام الآني.

يروى أن عنترة العبسي الذي كان مشهور بشجاعته في أيام الجاهلية قيل له " انت أشجع العرب وأشدهم بطشاً". أجابهم "لا" فقيل له " كيف شاع لك هذا الاسم بين الناس إذن؟ " فقال: "إنه نال هذه الشهرة لاتباعه في القتال ثلاث قواعد لا يحيد عنها:

١. إنه يقدم إذا رأى الأقدام عزماً، ويحجم إذا رأى الاحجام عزماً. 

٢. إنه لا يدخل مدخلاً إلا إذا رأى منه مخرجاً. 

٣. إنه يهجم على الضعيف أولاً فيضربه ضربة يهلع لها قلب الشجاع ثم يرجع إلى الشجاع فيضربه. 

هذه القواعد الثلاث جديرة بأن يتبعها كل خطيب أو مناظر أومحاضر أو غيرهم من أرباب فن الكلام. لأن اتباعهم التصنيف المصنع والتسلسل المنطقي وترتيب الديباجة والخاتم يعتبر بمثابة الأحجار التي في طريق التيار " الإبداع" فتعيق تقدمه.

إن طريق الإبداع في الكتابة يحتاج إلى ثلاث مراحل:

١. البحث الواعي والنقيب وجمع المعلومات وتصنيفها. فهي "مرحلة الخزن".

٢. مرحلةوالانبثاق اللاشعوري. بعد تخزين المعلومات واختمارها وتلاقحها يحدث لها تدفق ليكتبها الكاتب.

٣. مرحلة التنسيق والتزويق والحزلقة المنطقة. حيث يراجع الكاتب ما كتب فيشطب منها قسماً ويزوق القسم الآخر. 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات