القائمة الرئيسية

الصفحات

 البيئة التربوية

كل منا مدين في تركيبته العقلية والنفسية والبدنية والاجتماعية لأمرين جوهرين، هما الورثة والبيئة. ونتيجة لتفاعلهما النشط والغامض جدأ يبرز إلى الوجود نسخة مستقلة متميزة من ولد آدم. ولا نملك خيار فيما نرثه من أسلافنا من جينات، لكننا نملك الكثير مما نفعله تجاه البيئة. ولكن تكوين البيئة التربوية لا يخلو من المشكلات سوء على مستوى التنظير او مستوى العمل. 
أما على مستوى التنظير، تكمن في توصيفنا للبيئة التربوية الجيدة الذي يخضع لرؤيتنا الخاصة للحياة وللإنسان، ومهما اتفقت الخطوط العريضة إلا إنها تختلف جدأ في التفاصيل. ومن أبرز المشكلات التي تواجهنا في إيجاد البيئة المناسبة هي أن المفهومات والظروف التي ترسخت على على نحو تراكمي بطيء-والتي كثيراً ما تستعصي على أي تغيير، بالإضافة إلى التواصل الكوني، فصار الأبناء ينقلون عبر وسائل البث والاتصال في أرجاء العالم، أكثر من اتصالهم بذويهم. إلا إنه إذا حسنا مستوى الحيوية والتفاعل في مدارسنا فإن كثير من الأبناء سوف يتخذون من توجيهات معلميهم ومرشديهم نظارات يرون من خلالها العالم. إلا أن المخاطر والتحديات أصبحت تهدد الجهود التربوية بسبب التدفق الضخم للصور والنماذج الأجنبية وتلويث بيئتنا المحلية. 

الانسجام مع الذات:

يمتلك الاطفال درجة عالية من البراءة فهم يثقون بالكبار ويصدقونهم ويستغربون من اختلاف الأقوال عن الأفعال والسلوكيات، وعندما يتفاعلون مع المواد الدراسيه تزداد المقارنات فيجدون انفسهم تحت وطأة صراع وحركة شد وجذب، فهم تارة يتأثرون بسلوكيات من يثقون بهم من أهل ومعلمين وتارة يتأثرون بما يقرؤونه في الكتب المدرسية من قيم، ومن خلال ذلك الصراع يتشكل لديه عدد كبير من المشاعر والمفاهيم المزعجة التي تضعف من صلابته الشخصية، ونقاء توجهها. لذلك فإن الوعظ والنصح لا يأتي بنتيجة، وإنما الحل الأفضل لذلك هو أن تبذل المدرسة جهودها في نفسها لتجعل منها بيئة منسجمة مع ذاتها متناغمة مع الرسائل التي تسعى لتبليغها لطلابها وتقوم بتربيتهم عليها، وذلك من خلال تضيق الفجوة بين واقع المدرسة وسلوك معلميها وإدارتها وعلاقتهم ببعض وبطلابهم، مما يمنحها المصداقية ويجعل منها محضن تربوي ناجحاً من جهة أخرى. 

ليست المدرسة جزيرة معزولة:

إن اللغة هي الوسيط المعرفي بين الناس، وهي ناقل غير شفاف وغير دقيق، لذلك فإنه مهما استخدمنا ألفاظ وأساليب دقيقة للتعبير عن مرادنا- وجدنا أنفسنا مرتهنين للغموض والفهم النسبي، لذلك فإن ما نقوله يظل ليناً طيعاً قابلاً لأي تشكيل جديد، ويختلف التشكيل بإختلاف البيئات، وما رسخت من مفاهيم وصور في أذهان الناس. 
لذلك فنحن بحاجة إلى تطوير البيئة التعليمية، والارتقاء بها لنرتقي بمدلولات الكلمات التي نكون من خلالها المفاهيم والمشاعر، ورؤية الماضي والمستقبل. إلا إن المدرسة جزء من بيئة عامة تؤثر فيها، لذلك فان رؤية الإسلام للإصلاح تتركز على الشمول في التغيير لكل نظم الحياة وكذلك على الإصلاح الجزئي، فالأمم تبني  المدارس لتجعل منها منارات إصلاحية لتتيح لأبنائنا نشأة نموذجية جديده تساعدهم على أن ينهضوا بمجتمعاتَهم بعد تخرجهم منها. 

ما البيئة التعليمية الجيدة:

يرجى من المدارس والجامعات أن تقوم بوظائف تربوية، لا تستطيع الأسرة القيام بها، ولتقوم هذه البيئات التربوية بوظائفها يجب أن تتحلى بالسمات التالية:

١. الإلتزام بالمبادئ والقيم الإسلامية، لأنها تشكل الأساس العميق الذي يقوم عليه البناء التربوي كله.

٢. قدرت المعلمين على رؤية الأشياء من زوايا مختلفة، ويستخدموا مقاييس عديدة، يمكن أن يروا أسوأ ما في الطلاب كما يروا أفضل ما فيهم، ومقارنة سلوكهم بنماذج سيئة أو جيدة، فيروا فيه بعض الإيجابيات. وعلى هذا فإن الخير والشر لدى الطلاب هي أشياء نسبية، وليست مطلقة، وإن تقويم الطالب على نحو صحيح، سيظل أحد ثوابت في العملية التعليمية،ويكون ذلك من خلال الارتكاز على الإيجابيات القليلة المتوفرة، وتحفيز روح الانفتاح والمصارحة والمشاركة والتعاون مع معهم.

٣. أن تشجع المدرسة الطلاب على المساهمة في بلورة ما يمكن أن يلتزموا به في سلوكهم داخل المدرسة وخارجها، لا ان تملى إملاء عليهم، لأن ذلك هو الطريق الوحيد لتجذير الفضيلة والخير في نفوسهم.

٤. أن يكون لدى المعلمين حساسية عالية نحو العدل بين الفئات الطلابية المختلفة ( عرقية، ثقافية، مادية، ومذهبية)، ليستطيعوا حماية المدرسة من التلوث العنصري الذي يدفع البيئات نحو الانحطاط.

٥. التنوع والاختلاف من سنن الله تعالى في خلقه، وكل اختلاف بين الناس اذا أمكن تأطيره وإيقاف عند حدود معينة يصبح عامل عنى وثراء، يمنح إمكانات جديدة للحياة الاجتماعية، لذا على المدرسة الجيدة ان تترك مساحات للتنوع الشخصي والسلوك والفكري في إطار الإلتزام الشرعي والآداب المرعية.

٦. المدرسة الجيدة تكون شفافة على ومع المجتمع، مما يجعلها في دائرة الضوء، ويتيح لطلابها الاستفادة من الخبرات والملاحظات الموجودة لدي الجهات الأخرى، فتتحول المدرسة إلى بيئة مفتوحة متفاعلة، مما يزيد وعي الطلاب بالمستقبل ومتطلبات الحياة الكثيرة.

٧. إن تعمل المدرسة على إرساء بعض التقاليد التي تنظم العلاقة بين الأساتذة والطلاب على المستوى الأدبي، وأن توجد الظروف التي تولد الرغبة في طلب العلم وتساعد على تحصيله دون إفراط او تفريط. 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات